image

  • الرئيسية
  • حزب الله يواجه الدولة وسلاح بلا شرعية
image
اخبار عربية / الاثنين 11 أغسطس 2025

حزب الله يواجه الدولة وسلاح بلا شرعية

نبيل شحاده

 

في الخامس من آب 2025، أقرّ مجلسُ الوزراء، خلال جلسته في قص بعبدا، قراراً حاسماً طال انتظاره من قبل اللبنانيين والمجتمع الدولي، وهو حصر السلاح بيد الدولة، وكلّف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية واضحة ومفصلة لتنفيذ هذا القرار قبل نهاية العام. القرار، بحد ذاته، ليس جديداً من حيث المبدأ؛ إذ ورد في "اتفاق الطائف" وكرّسته قرارات الأمم المتحدة منذ سنوات طويلة، ومنها 1559 و 1680 و1701، التي طلبت حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، وأكدت على بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كامل أراضيها. قرار الحكومة شكّل استجابة – ولو متأخرة- لمطالب أغلبية اللبنانيين وقواهم السياسية والشعبية التي كانت تنادي باستمرار بقيام دولة القانون والمؤسسات، واستجابة أيضاً لضغوط إقليمية ودولية متزايدة عبّرت دائماً عن استيائها من السيادة المنقوصة في لبنان، وهيمنة حزب الله على قرارات الدولة وتوجهاتها السياسية. قرار الحكومة مثّلَ أيضاً العام تحولاً فيه من الدلالات الكثير، فما كان يُسمّى "مقاومة" لها بعض الصفات القانونية وكانت تختبئ تحت بيانات وزارية سابقة، وعبارات مطاطاة وردت فيها، أصبحت خارج إطار أي قانون، واقتربت من اعتبارها كيان متمرد يرفض الخضوع للقوانين. "حزب الله" والذي توقع كثيرون أن يلجأ بعد النكسة الكبيرة التي مُنيَ بها في حرب الإسناد الى مراجعة لمواقفه وخياراته، ويدرس جيّدا معاني وحجم الضغوط الدولية على لبنان، فاجأ الجميع بمواقف صادمة، إذ بدأ أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي استبق جلسة مجلس الوزراء بكلمة تلفزيونية، فاعتبر فيها أن "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، هو يخدم المشروع الإسرائيلي". ثم أصدر الحزب، عصر الاربعاء، بياناً، اعتبره كثيرون أنه كان متسرّعاً، إذ رفض رفضاً قاطعاً قرار الحكومة، واعتبره غير موجود أساساً قائلاً "سنتعامل مع القرار وكأنه غير موجود". بل ذهب أكثر من ذلك، اذ اتهم حكومة الرئيس نواف سلام بأنها ارتكبت "خطيئةً كُبرى" في اتخاذ قرار " يُجرِّد لبنان من "سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي ويُحقِّق لإسرائيل ما لم تُحقِّقه في عدوانها على لبنان". موقف كان نافراً وجديداً من نوعه، خلع القفازات البيضاء، وتخلى عن الخطاب الديبلوماسي وسياسة تدوير الزوايا، واتهم صراحةً الدولة اللبنانية بأنها تخدم اسرائيل وتصادر "حق الدفاع المشروع عن لبنان". هذا الرفض، قرأه محللون كإعلان.

 

سياسي، فيه تمرد مباشر على مؤسسات الدولة وقراراتها، وينسف مبدأ السيادة، ويضرب مفهوم وحدة القرار العسكري والأمني في البلاد.

 

موقف الحزب أثار قلقاً بالغاً لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، ومنهم حلفاء تقليديون للحزب سبق لهم وأعلنوا ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وطالبوا بالالتفاف حول منطق الّدولة والجيش والمؤسّسات، فيما وجد فيه آخرون تحدّياً صريحاً للأمن الوطني وخطراً داهماً يزعزع الاستقرار، ويلوّح بحرب داخلية، اضافة الى أنه حمل سمات انتحارية سياسياً، لأنه وقف بوجه كل التحولات والمتغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط، ويتجاهل حالة الاعياء والانهاك التي وصل اليها اللبنانيون بسبب الحروب المتواصلة والأثمان الباهظة الكبيرة التي يدفعها المواطنون في حياتهم واموالهم واملاكهم وأرزاقهم.

 

إن تمسّك "حزب الله" بسلاحه خارج إطار الدولة، وادعائه الدائم بأنه لحماية لبنان رغم الفشل الذريع الذي تأكد في الحرب الأخيرة، لم يعد شأناً لبنانياً داخلياً فقط، بل تحوّل إلى قضية إقليمية ودولية؛ الضغوط العربية – وعلى رأسها الخليجية – باتت صريحة في مطالبة الدولة اللبنانية بإنهاء الازدواج الأمني على أرضها، والسعودية كانت دائماً سباقة في الدعوة لمعالجة مسألة السلاح، ومن ذلك ما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير في كلمته في القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في بغداد بأنّ السعودية تدعم الجهود لاصلاح المؤسسات وحصر السلاح بيد الدولة.

 

الاتحاد الأوروبي عبّر عن مواقفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي قالها بصريح العبارة وأن "السلاح يجب أن يكون بيد الدولة اللبنانية وحدها، وفرنسا ستدعم الجيش اللبناني من أجل بسط سلطته"، كما اتهم ماكرون حزبَ الله بتعطيل الإصلاحات الادارية والسياسية بسبب هيمنته على القرار الوطني. أما الولايات المتحدة فقد أعدّت خريطة طريق مفصلة من ست صفحات قدّمها مبعوثها توماس بارّاك للمسؤولين اللبنانيين، وتضمّنت مطالب واضحة بنزع سلاح حزب الله والفصائل المسلحة كافة في لبنان بشكل كامل قبل نهاية عام 2025، ونوّهت بأن تنفيذ هذا البند سيفتحُ بابَ الدعم المالي العربي والدولي لإعادة إعمار مناطق لبنانية دمرتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وأنّ هذا الدعم لن يسلك طريقه الى بيروت في ظلّ احتفاظ حزب الله بالسلاح.

 

وفي مراجعة سريعة، يُمكن الاشارة الى أن سلاح حزب الله ومنذ عام 2000 على الأقل، حقق مجموعة من الآثار السلبية على لبنان ومنها:

 

إضعاف الدولة ومؤسساتها، حيث فقدت الدولة اللبنانية قدرتها على بسط سلطتها الكاملة، وحتى تطبيق القوانين وجلب المجرمين بسبب وجود قوة مسلّحة توازي الجيش وتتجاوزه في أجزاء واسعة من المناطق اللبنانية.

 

تسبّب سلاح الحزب في فرض عزلة ديبلوماسية خانقة على لبنان، وحرمه من الدعم العربي والخليجي خصوصاً، الذي شكّل رافعة تاريخية لدعم وتثبيت الاستقرار.

 

فقد لبنان جاذبيته للاستثمار، ولم قبلة حقيقية لأصحاب رؤوس الأموال، في ظل تحكّم سلاح الحزب بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي في أحيان كثيرة، وشكوكه الدائمة بأي مشاريع تطوير في البلد.

 

شكّل السلاحُ مصدر انقسام دائم بين اللبنانيين، وأبقى البلاد في حالة توتر مزمن، واضطرابات متنقلة، وفتن طائفية، وأجهض -هذا السلاح- كل محاولات التوافق السياسي الحقيقي.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: الى أين ستذهب البلاد إذا تمسكت الحكومة بقرارها من جهة، واستمر الحزب برفض الانصياع له؟ وهل ستذهب الأمور الى أزمة سياسية تُعيد مشهد تعطيل الحكومة أو الانسحاب منها، ثم الادعاء بعدم ميثاقيتها بسبب خروج المكوّن الشيعي منها؟

 

الثابت حتى الآن، أن الدولة اللبنانية التي تتلمّس طريقها ببطء، تتعرض لضغوط كبرى، وفي حال لم تمتثل للمطالبات الدولية وتعمل بفعالية وجرأة وجدّية لتنفيذ القرارات الدستورية والدولية، فإن رزمة من العقوبات القاسية والمؤلمة قد أُعدّت وهي جاهزة للتطبيق في أي لحظة، وربما تلجأ واشنطن مدعومة من دول عربية وأوروبية الى وضع ملف السلاح خارج الدولة في لبنان على طاولة مجلس الأمن الدولي.

 

الدولة اللبنانية، التي ترى حجم الدعم الاساسي اللبناني لمواقفها وقراراتها، مُطالبةٌ بالصمود والثبات، وهي أمام فرصة تاريخية نادرة لترسيخ السيادة وسلطة القانون، ونزع فتيل الحروب العبثية بشكل نهائي، وتهيئة الطريق للخروج من نفق الفوضى والانهيار. أمّا اذا تراجعت تحت وطأة تهديد الحزب – ومعه شريكه وحليفه الرئيس نبيه بري-، فهي ستفقد ما تبقى من شرعيتها، وستضر عرض الحائط بآمال اللبنانيين وطموحاتهم، وستكون قد أسقطت آخر أوراق السيادة والاستقلال.

 

لبنان، اليوم، على مفترق حاسم: فإما أن يكون دولة طبيعية بسلاح واحد وقرار واحد وسلطة واحدة، أو كياناً هشاً فوضوياً تتحكم به ميليشيا تمتلك مشروعاً اقليمي وغير وطني، وغير قابل للحياة.

التعليقات

اضافة تعليق