سقوط آل الأسد زلزال مذهل سيعيد تشكيل المنطقة
إنه تطور مذهل وزلزال إقليمي كبير آخر بعد عام من الحرب في الشرق الأوسط، فهل يعيد سقوط "آل الأسد" رسم خارطة الشرق الأوسط؟ وما تداعياته على المنطقة؟
الإجابة عن هذين السؤالين كانت محل تركيز من صحف ومواقع إخبارية عالمية في تناولها للسقوط المدوي للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
لوفيغارو الفرنسية قالت إن الهجوم الخاطف الذي توج بالإطاحة بالأسد لم يستغرق سوى 12 يوما ولم يتوقع أحد "هذا التسارع في التاريخ" ويتعين علينا، تقول الصحيفة، أن نأمل أن تجتمع جماعات المعارضة المختلفة لحكم سوريا المتعددة الأديان، وألا تشبه سوريا ما بعد الأسد عراق ما بعد صدام حسين، في إشارة إلى الأحداث المأساوية التي شهدها العراق بعد إسقاط الأميركيين لرئيسه عام 2003.
وسخرت الصحيفة في مقارنتها بين صدام وبشار من هذا الأخير قائلة: صدام حسين أظهر شجاعة أكبر ضد الأميركيين عندما خسر السلطة في عام 2003 في بغداد.
وبدورها ذكرت لوموند الفرنسية أن بشار، الطاغية المتعطش للدماء، أصبح رئيسا بالمصادفة"، إذ كان أخوه هو المحضر لشغل ذلك المنصب قبل أن يلقى مصرعه في حادث مأساوي.
وقالت في هذا الصدد إن ما حدث كان "مفارقة تاريخية قاسية.. فالرجل ذو الأيدي الملطخة بالدماء، الذي فر يوم الأحد الثامن من ديسمبر/كانون الأول، بعد أن أمضى ربع قرن في السلطة في سوريا، وبعد أن دمر شعبه وسحق بلاده، لم يكن متهيئا أصلا لأخذ زمام السلطة".
تطور مذهل
ووصف موقع أكسيوس الأميركي ما حدث بأنه كان "تطورا مذهلا وزلزالا إقليميا كبيرا آخر بعد عام من الحرب في الشرق الأوسط، مما يزيد من زعزعة استقرار سوريا والمنطقة في الأمد القريب، وما قد تكون له، على المدى البعيد، عواقب دراماتيكية ليس فقط على سوريا، بل وأيضا على حلفائها، روسيا وإيران وحزب الله، الذين ساعدوا في إبقاء بشار في السلطة بعد انتفاضة عام 2011".
ورأى الكاتب كيلي كاسيس وهو محلل جيوسياسي ومدير العلاقات الدولية في مركز الشؤون السياسية والخارجية (سي بي إف إيه) في مقال له بموقع مجلة ناشونال إنترست أن "سقوط آل الأسد سيعيد رسم خريطة الشرق الأوسط لأسباب متقاربة عديدة، وما سيحدث بعد ذلك في سوريا سيكون له تداعيات عميقة على المنطقة بأكملها".
تنافس على الهيمنة
وتناولت نيويورك تايمز الأميركية في تحليل إخباري تطورات الأحداث الجارية في سوريا، ومآلاتها المحتملة على المنطقة في ظل التنافس المحتدم بين الأطراف الدولية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وقال مراسل الصحيفة نيل ماك فاركوهار، في تحليله وكان ذلك قبل خلع بشار، إن السؤال الذي يلوح في الأفق مع سقوط تمثالي والد الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر على وقع تكبيرات "الله أكبر"، هو ما إذا كان الثوار سيطيحون بالرئيس نفسه أثناء تقدمهم السريع.
وأشار إلى أن أحمد الشرع ( الجولاني) قائد إدارة العمليات المشتركة التابعة للمعارضة السورية، صرح -في مقابلة مصورة مع صحيفة نيويورك تايمز- قائلا: هدفنا هو تحرير سوريا من هذا النظام القمعي.
وأضاف أن ما حدث يمثل أهم مواجهة حتى الآن في الصراع على إعادة صياغة المنطقة، التي اشتعلت مع طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق التحليل الإخباري.
ويشير المراسل فاركوهار إلى أن لدى الدول الفاعلة الرئيسة في المنطقة -إسرائيل وإيران وتركيا- مصلحة في ما ستؤول إليه التطورات في سوريا من تداعيات، التي لن يقتصر تأثيرها على الشرق الأوسط فحسب، بل ستمتد لتطال أيضا قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا.
وإذا كانت الحرب في قطاع غزة تمثل -برأي كاتب المقال التحليلي- أسوأ تجليات النزاع الإسرائيلي الفلسطيني حتى الآن الذي يبدو مستعصيا على الحل، فإن المحللين يصفون الصراع في سوريا بأنه أهم بكثير لكونه يهدف للسيطرة على مفترق طرق إقليمي يؤثر على الشرق الأوسط بأكمله.
وينقل مراسل الصحيفة الأميركية عن منى يعقوبيان، رئيسة مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن، القول إن "سوريا هي المقياس الذي يبين القوى (الديناميكيات) المحركة الحيوية في المنطقة".
ويصف الإستراتيجيون الإسرائيليون سوريا بأنها "محور كل المحاور" لأنها كانت -حسب زعمهم- بمثابة ممر إمداد مناطق في جنوب لبنان بالسلاح والرجال.
ووفقا للتحليل، فإن رد فعل إسرائيل على حكومة ذات طابع إسلامي قد تصل للسلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد لم يتضح بعد، وخاصة إذا كانت حكومة تدين بالفضل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان من "أشد المنتقدين" للحرب في غزة.
وتدرك إيران أنها إذا خسرت الأسد، ومن ثم نفوذها على دمشق، فإن اللعبة تكون قد انتهت بالنسبة لمحاولاتها تحصين وكلائها من الفصائل الشيعية في لبنان والعراق واليمن، التي يمكن أن تهدد إسرائيل.
لكن المراسل يستدرك في تحليله أن إيران بدأت منذ الجمعة الماضي إجلاء كبار قادتها العسكريين في فيلق القدس وعناصر أخرى من سوريا.
وطبقا للمقال، فإن بعض المحللين يرون أن لأردوغان يدا في التقدم الكاسح لمقاتلي هيئة تحرير الشام، التي تعد الجماعة الرئيسة في قوات المعارضة السورية. وأشاروا إلى أن تركيا انتهزت الفرصة لزيادة نفوذها في وقت كانت فيه إيران محاصرة، فهي -في تقديرهم- تريد عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري إلى ديارهم بعد فرارهم منها إلى تركيا بسبب الحرب الأهلية.
أما روسيا، وفقا للكاتب، فإنها ستواجه معضلة، منبها إلى أن ثمة ما يشي بتراجع ثقتها في الاستمرار في سوريا كما كانت وهو ما اتضح من مطالبتها يوم الجمعة لمواطنيها بمغادرة سوريا.
غير أن روسيا وإيران لم تكونا الدولتين الوحيدتين اللتين أمرتا رعاياهما بالجلاء عن سوريا، يلاحظ الكاتب، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة انضمت إليهما أيضا، إذ يعتقد المحللون أن واشنطن لم تكن تدري ماذا تفعل بشأن سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن، وتركت سياستها تتنكب الطريق بعد أن تحركت روسيا في عام 2015 للتدخل هناك عسكريا.
وترى نيويورك تايمز في التحليل الإخباري أن واشنطن تمر الآن بفترة انتقالية بين إدارتين، حيث أشار الرئيس المقبل دونالد ترامب ذات مرة إلى سوريا على أنها بلاد "الرمال والموت".
وتخلص الصحيفة الأميركية إلى أن العديد من المراقبين يعتبرون الدولة السورية المركزية "قوقعة جوفاء"، ناقلة عن أندرو تابلر -وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومسؤول حكومي أميركي سابق في القضايا الأمنية- تشبيهه للنظام الذي كان يرعاه الأسد بأنه "سيارة قديمة تم تجميعها بقطع غيار من قبل ميكانيكيين مجهولين".
التعليقات
اضافة تعليق