كبار في الجيش الإسرائيلي: ستتعاظم قوة حماس في القطاع مع غياب صفقة تعيد المخطوفين
وجود المخطوفين الإسرائيليين المتبقين على قيد الحياة والموزعين في أرجاء قطاع غزة، يمنع القضاء على حماس عسكرياً. ويحبط إمكانية عمل المقاتلين من الجيش الإسرائيلي برياً في “جزر متسعة” لا تدخل إليها القوات كي لا تعرضهم للخطر. عملياً، هكذا تنجح حماس في إعادة تثبيت حكمها الجزئي في القطاع.
بعد ثلاثة أشهر من قتل ستة المخطوفين في نفق برفح على أيدي مخربي حماس، يحرص الجيش على القيام بأي عمل يؤذي الأسرى المتبقين على قيد الحياة، ولهذا لا يعملون برياً ولا يهاجمون في مناطق واسعة في قطاع غزة. وتستفيد حماس من ذلك وترمم قدراتها العسكرية في هذه المناطق الكبرى في شمال القطاع، وذلك بالتوازي مع الأماكن الوحيدة التي يهاجم فيها الجيش الإسرائيلي في هذه الأشهر- جباليا وبيت لاهيا المجاورة لها.
مسألة المخطوفين الإسرائيليين في أسر حماس أصبح عاملاً مركزياً يؤخر ويضيق إنجازات الجيش في القطاع، يقول مسؤولون كبار في هيئة الأركان في أحاديث مغلقة، ويقصدون أحد أهداف الحرب التي وضعتها الحكومة – تصفية بنى حماس التحتية العسكرية والسلطوية، التي تعاظمت في قطاع غزة، برعاية إسرائيلية وقطرية على مدى الـ 15 سنة التي سبقت 7 أكتوبر. وجود المخطوفين في قطاع غزة يؤثر ويغير أساليب القتال، وأماكن العملية البرية، والهجمات الجوية، ويقيد القوات في ضرب حماس أكثر، بدءاً بأوامر فتح النار البسيطة للمقاتل في الميدان وحتى قرارات اتجاه إرسال الألوية.
خطر على حياة المخطوفين
لدى الجيش الإسرائيلي معلومات استخبارية معقولة عن وضع المخطوفين تستند أساساً إلى معلومات تنتزع من التحقيق مع المخربين المعتقلين، وحل لغز ما يعثر عليه في الميدان ككاميرات المتابعة وتحليل المعطيات المتجمعة المختلفة. نوعية المعلومات عن وضع المخطوفين وأماكنهم تتغير باستمرار لأن؛ حماس تحاول نقلهم من مكان إلى مكان وتوزيعهم في القطاع لتصعيب الأمر على الجيش لإنقاذهم في عمليات خاصة. يقدر الجيش بأن سياسة حماس في إعدام المخطوفين إذا ما لوحظت حركة قريبة لقوات الجيش لم تتغير، ولهذا فإن الخطر على حياتهم واضح وفوري وليس فقط بسبب شروط الأسر التي ستتفاقم في الشتاء المقترب.
يحاول الجيش بذلك أن يوضح للمستوى السياسي بأن عدم التوجه إلى صفقة لتحرير المخطوفين يمس مباشرة باحتمال الإيفاء بالهدفين اللذين حددتهما الحكومة في بداية الحرب: تقويض سلطة حماس وإعادة المخطوفين. ويقدر الجيش بأن حماس شددت الحراسة على المخطوفين. ولولا وجود المخطوفين لبدا الأمر مختلفاً في قطاع غزة وكان عمل الجيش أكثر سحقاً ضد حماس دون القيود التي تستفيد منها حماس. هناك فرق بين تفكيك قدرات حماس العسكرية والمس بحكمها المدني الذي ضعف، ولكنه لا يزال قائماً في القطاع.
في الجيش من يقدر بأن حماس تخلت عن جباليا عقب اجتياح طويل من قبل فرقة 162 في شمال القطاع، الذي بدأ قبل نحو شهرين ونصف، وصفي أو اعتقل أكثر من ألف مخرب من حماس، بينما فقد الجيش الإسرائيلي 28 ضابطاً ومقاتلاً منذ بداية العملية.
المساعدات تصل إلى حماس
الأغلبية الساحقة من الجمهور الغزي لم ترَ جنود الجيش الإسرائيلي في معظم هذا الهجوم الطويل الممتد لـ 14 شهراً من القتال. ولهذا لا تزال حماس متجذرة بقوة لدى الغزيين كحكم، لأنه لا منافس لها، كما تصف أوساط الجيش، وتضيف: حماس مثلاً أخذت الحظوة على حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي سمحت إسرائيل بتنفيذها، وهي تعمل على قمع جيوب المقاومة لحكمها التي تطل بين الغزيين في مظاهرات محلية. كما نشخص أيضاً آلية تعويض مالي من جانب حماس لنشطائها وموظفيها: فمؤخراً، عادت حماس لتدفع لهم أجراً شهرياً، وإن كانت بضع مئات من الشواكل وليس بالآلاف مثلما قبل الحرب، وذلك رغم الضائقة الاقتصادية التي تعيشها. الجمهور في غزة ليس قريباً من الانقلاب على حماس، ولم تتراكم بعد الطاقة لذلك؛ لأنه لا بديل. وإن معظم الجمهور الغزي المتجمع في جنوب القطاع لم يعد يشعر منذ أشهر طويلة بوقع ذراع الجيش، وهو مشغول أساساً بالبحث عن خيمة أو بطانية للشتاء. وهذا يهمهم أكثر من موت السنوار، الذي تم نسيانه، حسب حوار نلتقطه في الشارع الفلسطيني.
تجد حوكمة حماس المتجددة تعبيرها في مؤشرات متجددة في الميدان: لاحظ الجيش بأن جمعية خيرية فلسطينية فتحت مؤخراً برعاية حماس، مدرسة في مدينة النازحين في المواصي قرب خان يونس. كما فتحت حماس مستشفى الرنتيسي في شمال القطاع، في احتفال تدشين أعد لاستعراض الحكم الداخلي. ينتشر في أحياء مدينة غزة نحو 200 ألف غزي، من أصل قرابة مليون كانوا يعيشون فيها عشية الحرب. تحاول حماس إبداء حكمها في الرقابة على الأسعار في الأسواق التي تتغذى بالمساعدات التي يدفع بها الجيش الإسرائيلي إلى شمالي القطاع أيضاً عبر معابر البضائع المقامة في “إيرز” وقرب “زيكيم”. يكاد لا يمر أسبوع لا يسطو فيه مسلحون على الشاحنات بمن تحاول حماس والجيش أيضاً منعهم وصدهم بالنار. الشاحنات التي تصل إلى غاياتها تأخذها حماس في الغالب.
الحكومة لا تقرر
من ناحية بديل حكم حماس، تواصل الحكومة الرفض ولا تبادر: رفض طلب بعض الوزراء إقامة حكم عسكري إسرائيلي، وبالطبع ترفض دخول السلطة الفلسطينية إلى المنطقة حتى ولو على سبيل تجربة محلية. المبادرة التي بحثت في الحكومة قبل أكثر من شهر لإدخال مقاولين أمريكيين يوزعون الغذاء لا تزال بعيدة عن التنفيذ وتبدو كأحبولة إعلامية أكثر من أي شيء آخر: فلم تصل إلى قيادة المنطقة الجنوبية أوامر بالبدء بالخطوة، ولا تزال هذه لدى جهات أمنية أخرى مجرد “موضع دراسة”. يقول الجيش أيضاً إنه ندخل نحو 50 شاحنة مساعدات كل يوم إلى شمال القطاع، بل ونقوم بحملات إنسانية خاصة. نحرص بمساعدة منظمات إغاثة دولية على إبقاء الغذاء والماء في مناطق القتال في بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، كي يرى العالم أنه لا يوجد تجويع في غزة حتى في الأماكن التي فصلناها. والوقود يدخل إلى غزة أسبوعياً؛ لتفعيل محولات المياه واستخدام المستشفيات، لكن خط الكهرباء الجديد مثلاً الذي سمحنا بإقامته ينتج الآن 20 ألف كيلوواط كل يوم لمئات آلاف النازحين في المواصي. ويصل الماء والغذاء إلى هناك أيضاً بشكل سريع في غضون عشر دقائق من معبر “كيسوفيم” الذي أقمناه وأعدنا فتحه، مما يقلل ظاهرة سلب الشاحنات.
التعليقات
اضافة تعليق