image

image
اخبار عربية / السبت 14 سبتمبر 2024

هل أتاكم حديث كارثة طاطا المغربية؟

اهربوا بسرعة، اخرجوا إلى أعالي الجبل، انجوا بحياتكم، كان ذلك هو آخر تحذير وصل إلى أهالي دوار أوكرضا إسموغن بجماعة تمنارت بإقليم طاطا (نحو 550 كيلومترا جنوبي مراكش)، قبل أن تقع الكارثة المدمرة.

 

تلك الوديان الصغيرة التي تعيش جفافا منذ سنوات طويلة، سرعان ما شربت من مياه الأمطار الطوفانية التي ضربت المنطقة خلال ساعات قليلة يوم السبت، وامتلأت عن آخرها بشكل غير مسبوق، فجاست خلال الديار.

 

تفجرت الشلالات الجارفة من بين فجاج الجبال، وحملت السيول كل ما وجدته في طريقها من أحجار ضخمة وأشجار، وتجمعت في مجرى الوادي الكبير، وتقدمت لا يحبسها حابس، بحيث تجاوزت الحد الذي شهده الشيوخ الكبار في أعوام مضت، وكانوا يروون تفاصيله المرعبة للأجيال اللاحقة.

 

لكن لا أحد من أولئك الشيوخ، أو غيرهم، كان يظن أن هذا السيل القادم سيكون الأقسى والأكثر تدميرا في تاريخ المنطقة، بحيث لم يشهد له مثيلا.

 

لذلك عندما وصل تحذير ساكنة دوار أكجكال -الذين يمر السيل الجارف أمام أعينهم- لمعارفهم في الدوار القريب أوكرضا إسموغن، ظن الأهالي في الدوار المنكوب أنه مجرد سيل قد يكون قويا، لكنه ليس بتلك الخطورة، فلجؤوا إلى بيوتهم الإسمنتية في انتظار أن يمر، وربما يصعدون إلى أسطح منازلهم، ويلتقطون له صورا يرسلونها لأحبابهم.

 

لكن مستوى المياه الغاضبة العنيفة كان مرتفعا جدا، ولم تبق ضمن ما عهده الأهالي، بل وصل إلى علو نحو 40 مترا كما أكد لنا في اتصالات هاتفية أكثر من مصدر من عين المكان، وصاحب ذلك هبوب رياح قوية كانت قد حذرت منها هيئة الأرصاد الجوية المغربية، مما زاد الوضع سوءا.

 

خلال ثوان قليلة، أصبح دوار أوكرضا إسموغن معزولا، من دون كهرباء ومن دون اتصالات، فانفردت المياه الجارفة بالبيوت الإسمنتية وأصحابها فانقضت عليهم، وجرفتهم معها بحيث أصبحوا مجرد أثر بعد عين.

 

تعايش مرعب

 

في العديد من المناطق الجبلية المغربية، وخاصة تلك التي توجد جنوبي مدينة مراكش، مثل الحوز وتارودانت وطاطا، اعتاد الأهالي على بناء منازلهم على جنبات الوادي، حيث يتركون المنطقة السفلى للوادي الذي قد يعود إلى طريقه في أي يوم مطير.

 

فيما يصعدون هم إلى الأعلى لبناء مساكنهم معتقدين أنها معادلة تعايش عادلة تضمن للوادي خلو طريقه من البشر، فيما يضمن لهم هو مروره بسلام في طريقه المنخفض، دون أن يجرف معه فلذات أكبادهم أو ممتلكاتهم في الأعلى.

 

لكن "الوادي لا ينسى طريقه ولو بعد قرن"، كما يردد الشيوخ الكبار، ولا يرضى عن طريقه بديلا، ولا يقبل بأي معادلة يفرضها البشر لوحدهم، دون استشارته، ودون فهم قوانينه رغم أنها واضحة كل الوضوح.

 

يحكي رئيس جمعية فاعل خير بإقليم طاطا محمد علي الوحماني لنا أن سكان أوكرضا إسموغن سارعوا -كالعادة- للاحتماء بمنازلهم بالأعلى بعدما وصلتهم تحذيرات الدواوير المجاورة، لكن المياه الجارفة كانت بمستوى غير مسبوق فجرفت كل شيء أمامها.

 

وتابع أن وجود هذا الدوار المنكوب وسط أخدود عميق بين جبلين جعل من إمكانية تقديم المساعدة العاجلة مسألة شبه مستحيلة، خاصة مع تواصل هطول الأمطار العنيفة، وهبوب الرياح القوية.

 

ذلك ما أكده لنا عمر بوهوش رئيس جماعة تمنارت التي يتبعها إداريا الدوار المنكوب، حيث أوضح أنه مع نزول الظلام، استحال الوصول إلى دوار أوكرضا إسموغن، حيث انقطعت الطرق، ومنعت العاصفة والأمطار القوية الجارفة طواقم الإنقاذ من القيام بأي خطوة لإنقاذ المنكوبين.

 

ووصف ناجون من الكارثة ما جرى بأنه فوق التصور، حيث اختطفت مياه الوادي العنيفة عددا من أحبابهم عندما كانوا يسرعون للبيت للاحتماء بجدرانه.

 

هذه فقدت أختها، وتلك فقدت أباها وأمها، وفي هذا المكان مسح السيل العنيف أسرتين بمنازلهما. "وأن نفقد هذا العدد من الأحباب والجيران في دوارنا الصغير فهي مأساة فوق التصور"، يحكي شهود عيان.

 

ويقول حسن أقمصي، رئيس جمعية محلية بدوار أوكرضا لنا إن السيل اجتث أكثر من 12 منزلا من مكانه، إلى جانب مدرسة الدوار.

 

ولحدود الآن، بلغت حصيلة الضحايا في دواري أوكرضا وإغمير 18 قتيلا، بينهم 3 أجانب، فيما يستمر البحث عن بضعة مفقودين. قد يبدو الرقم صغيرا في أعين كثيرين، لكن عندما تعلم أن عدد الأسر في أوكرضا إسموغن لا يتجاوز الـ60 أسرة، عندئذ تتضح فداحة الكارثة التي مسحت الدوار من الخريطة.

 

هل ينسى الوادي طريقه؟

 

يشرح رئيس جماعة تمنارت بوهوش أن السكان في هذه الدواوير ومثيلاتها في مختلف مناطق المغرب دأبوا على بناء منازلهم في الأرض التي سكنها أجدادهم، ولديهم ارتباط قوي بها ولا يفكرون البتة في مغادرتها رغم كوارث مثل الطوفان الأخير.

 

وتابع أن بعض السكان طلبوا -بعد الكارثة- من والي الإقليم ومسؤولي المنطقة إيجاد حلول قد تقيهم شر كوارث مماثلة، مما يعني بشكل واضح أنهم لا يفكرون بتاتا في مغادرة المكان. علما أن السلطات المختصة -إدارية ومنتخبة- اجتهدت في إيصال مختلف الخدمات لهذه المناطق النائية من طرق وكهرباء ومياه صالحة للشرب برغم وعورة التضاريس، يوضح عمر بوهوش.

 

وبحسب هذا المسؤول الذي لا يكاد يستريح منذ اليوم الحزين فإن "الوادي لا ينسى طريقه أبدا"، ويجب التعامل مع هذه الحقيقة بشكل يقي وقوع ضحايا مستقبلا.

 

أخطار قادمة؟

 

ولا تقتصر هذه المشكلة على جماعة تمنارت، بل عاينا في مناطق الحوز وجود المشكلة نفسها، إذ يبني الأهالي بيوتا بين فجاج الجبال، ويزرعون بعضا من الزراعات المعيشية في المنطقة المحاذية للوادي.

 

بل إن بعض المتاجر والمقاهي البسيطة القريبة من الوديان تضع كراسي وطاولات بمجرى الوادي لاستقطاب الزبناء وخاصة السياح منهم، وعندما تُحدّث هؤلاء وأولئك عن مخاطر أن يأتي السيل الخطر -الذي يعرف محليا بـ"الحملة"- ويجرف كل ما في طريقه، يردّون عليك بجواب واحد برغم اختلاف الزمان والمكان: "السيل لم يأت قويا منذ عقود، ومتاجرنا ومنازلنا بعيدة عن مجراه في الأسفل، ونحن نتخذ كل الاحتياطات ولم تحدث أي مشاكل منذ عقود".

 

بالنسبة لعمر بوهوش، رئيس الجماعة التي تضم دوار أوكرضا إسموغن، لا احتياطات مع الوادي ولو كان جافا، وشرح لنا أن اتخاذ حلول جذرية هو أكبر من الجماعات المنتخبة، ويستلزم تدخلا من الدولة بمقدراتها الكبيرة.

 

يحكي لنا أحمد أوبلا، من أبناء منطقة قريبة من أوكرضا إسموغن أن شيخا ثمانينيا يعيش بالدوار أخبرهم أنه لم يسمع ولم ير طيلة حياته بهذا المكان -الذي لا يكاد يغادره- مشهدا عظيما مثل هذا المشهد. أما الآن فقد رآه، وشاهد بأم عينه كيف جُرف أبناء بلدته مع الأشجار والأحجار والسيارات القليلة بالدوار.

 

وهو مشهد لم تُظهر بعض ملامحه سوى نحو 3 مقاطع فيديو قصيرة، يؤكد لنا أوبلا أنه من المحتمل أن بعض ضحايا الوادي هم من صوروها قبل وفاتهم، لتبقى أهوال الكارثة عالقة في أذهان من رأوها لوحدهم، وإلى الأبد.

التعليقات

اضافة تعليق